مقالات

محاولات لإرضاء ذات

مقدمة مختصرة عن كتاب: محاولات لإرضاء ذات

من البداية كنتُ في مكانٍ آخر من ذهني، بعيداً عن واقعٍ له التأثير الأقوى، ومع صدماتنا من الحياةِ يأخذُنا الإحباط وتدور علينا شبكاتٌ تحجب الرُؤَى ولو لشعاعٍ واحدٍ من الأمل،  فكنت أكتب لمن لا يقرأ، وأنادي على من لا يسمع .. ولا أهدأ، وأرسمُ لمن لا يرى، وانتظرُ ميعاداً مجهولاً كسرابِ الضُحى، وقلتُ عما أرى .. ولكن! كلامي سقط على الأرض كالثرى، حتى عَزِمَتْ نفسي محاولاتاً تلو الأخرى، وأقرر تكرار الكتابة.

وأكادُ أكتبُ ما تراهُ عيني وإذْ أُقرِّر الكتابة! فيلتهمُ الصمتُ كل حروفي حتى تختفي من أمامي .. ويعود كل ما أراهُ على عاتق ذهني رماد، رماد الصمت جرّاء تلك الحرائق التي تلتهمُني، فمازلتُ أستوعب وأستوعب لما يجري حولي ومازلت.

ولكن.. فيما بعد! ماذا بعد كل تلك التراكمات؟ وماذا عن ثورةٍ داخليةٍ لو هزّت الكيان؟ وماذا عن عواقبٍ تفوق حصر التوقعات؟ الصمت مازال ينمو ولحظة الانطلاق لم تنضج .. حتى جاءتني بعض أفكار! ..

أفكارٌ جعلتني أتصالح مع نفسي بمحاولاتٍ ترضيني مع كل محيطاتي. وبدأتْ ذاتي تُقلِع عن صمتها وبدا الصمت يتضاءل حتى تلاشى مع محاولاتي لإرضاء نفسي من كل كبتِ الظروف والفشل والإهمال.

ومن هنا ونفسي حدّثتني عن كياني وعن مايُحيطُ بي من أشياءٍ وجدتُّ فيها العبقَ والسلوانَ وكلها من عندَ ربِّي وخالقي ومن الطبيعة والفطرة التي خلقنا الله –عزّ وجلّ- عليها، فهي ليستْ من ابتكاري ولا صُنعي.

ومن وقتها وأنا أُهَرْوِلُ في طريق ذاك العبقُ، حتى تهدأ ذاتي وتحظى بدرجةٍ من الرضا والسلام النفسي وهي محاولاتي لإرضاء ولسلامة أفكاري وذاتي.

محاولاتي:

فبدايةُ المحاولاتِ مِن مرحلةِ الجمودِ وجحودِ النفسُ ونكرانِها لكُلِّ متاعِ الحياةِ ولكلِّ ما وهبنا اللهُ إياهُ في دُنيانا مِنْ نِعمٍ لا تُحصَى.

ومِن مُقوّماتٍ لِعمارةِ الأرضِ وخلافتُها حتى تهدأ ذاتُنا ونَقوَى كلنا رحمةً وحُباً، ونُثرِي حياتَنا مِن طيباتِ ما خُلق لَنا ونُعمّر لا نُدمّر حتى نَصِلَ إلى الرضَا والرحمةِ والأمانِ. مُستغلّين كل تفاصيلِ الحياةِ وكل ما رزقنا الله إياهُ من صفاتٍ أو أشخاصٍ أو أشياءٍ في الطبيعة حتى نعلم أن الله أرضانا كثيراً.

حياتنا شيئٌ غالي له قيمة، فإن كنتَ تقرأ الآن هذا الكلام؟ فأنت أكيدٌ ترى .. وأكيدٌ تتنفس وبالتالي فأنت حيٌّ، وبما أنك حيّاً على قيد الحياةِ؟ إذن فأنت لك قيمةً. فلمْ ولنْ يخلق اللهُ شيئاً ليس له قيمة.

فالحمدلله على أن لنا القيمة الغالية، وليس من تقديرنا فهي من تقدير الله –عزَّ وجلَّ- هو الذي أعطانا الخلافة على الأرض وأعطانا الفُرص كي نستغلُّها لنفوز برضاهُ سبحانه وتعالى.

هُنَا المحاولاتُ لإرضاءِ الذاتَ لأن النفسُ دائماً تحتاجُ إلى مَن يُدلّلها ويرفعُ مِن شأنِها وليسَ مِن مرةٍ واحدةٍ وفقط فالنفسُ تحتاجُ التكرارَ والمحاولاتِ وإعادةَ التذكيرَ بالأشياءِ الرقيقةِ التى تمسّ القلبَ وتستجيبُ لها الأنفسَ.

من أين المحاولات:

أشياءٌ ليستْ جديدةٌ على مسامعِنا، ولكنْ كما ذَكرنا هي تذكيرٌ حتى أُعيد على ذاتي ونفسي وأنفسَنا العِزّةُ بربِّي حتى نتعلم جميعاً الرضا والامتثال والطواعية والجَدُّ في الحياة لأنها تستحقُّ منّا المزيدَ حتى نجتازَ الدنيا بنجاحٍ فائزينَ بجناتِ الآخرةِ راضيينَ مُطمئنينَ.


هي محاولاتُ إرضاء: حيثُ الرضا مِنْ درجاتِ السعادةِ، والسعادةِ لنْ تأتي إلاَّ مِنْ أشياءٍ معينةٍ حسب إتجاهاتِ وميولَ الشخصِ، محاولاتُ الإرضاءِ تجعلُ النفسَ تعتزُ بذاتِها وبقيمةِ وتقديرِ اللهَ -عزَّ وجلَّ- لنَا ولِذَاتِنا.

فالرضا جعلهُ اللهُ غايةً وهديَّةً لسيدِنا محمدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلم  في طلباتِه حينما قال في القرآن الكريم:

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ)

صدق الله العظيم

فالرضا غايةٌ بمُقتضاها يصلُ الانسانُ لمُنتهَى سعادتَهُ، فاللَّهم تُعطينا مِن خزائنِك حتى نَرضَى.

مع تحياتي، حسام جامع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى